سلسلة شخصيات ناظورية.. مصطفى بوزياني: الإنسان، المبدع ورفيق الطفولة

2025-02-08

” ريف  رس ” 8 فبراير 2025

بقلم : جمال الغازي

حين أسترجع ذكرياتي، يبرز اسم مصطفى بوزياني كضوء دافئ في أفق الطفولة والشباب. لم يكن مجرد رفيق دراسة، بل كان جزءًا من لحظات النضوج الفكري والفني، ومن تفاصيل أحلامنا الأولى. لقاءنا في برنامجه الإذاعي لم يكن صدفة، بل امتدادا لعلاقة متجذرة في أعماق الزمن، حيث تبادلنا الأحلام، واقتسمنا الحكايات، وشاركنا في بناء رؤية مشتركة للحياة. كان يعرفني كما يعرف المرء أخاه، ولهذا اختار أن يطلق عليّ لقب “جمال بويموناس”، كناية عن روح الدعابة والعمق الذي يميز صداقتنا.

وُلد مصطفى بوزياني عام 1964 في “أدوارشث” (أدويرية)، قرية خضراء تعج بالحياة، تحيط بها الضيعات الزراعية والمياه الرقراقة. هناك، في قلب الطبيعة البكر، نشأ مصطفى وسط أسرة متواضعة، يعمل والده فلاحا أجيرا، بينما كانت الأرض، بكل خيراتها، مسرحا لطفولته الأولى. غير أن غياب المدرسة فرض على أسرته اتخاذ قرار الرحيل إلى العروي، بحثا عن مستقبل تعليمي أفضل لابنهما الوحيد آنذاك في بيتهما، بينما كان شقيقه الأكبر قد انتقل إلى الناظور ليعيش في كنف خاله “محمد عفاك”، الذي تكفل برعايته وتعليمه.

في العروي، وعلى أرض جديدة، بنى والد مصطفى بيتا متواضعا من الطوب والحجر، ليبدأ الطفل ذو الخمس سنوات فصلا جديدا من حياته. كان عالم العروي مختلفا عن دفء الطبيعة التي ألفها في “أدوارشث”. وجد نفسه محاطا بأزقة ضيقة وشارعين رئيسيين، محمد الخامس وعبد الكريم الخطابي، حيث امتزجت البساطة بالحياة الحضرية الناشئة.

بدأ مصطفى تعليمه الابتدائي عام 1971 في مجموعة مدارس العروي، التي اعتبرها “جنة الدراسة والتحصيل”. أكمل فيها مشواره حتى حصوله على الشهادة الابتدائية، ثم انتقل إلى الناظور لمواصلة دراسته الإعدادية بثانوية الفيض، حيث واجه صعوبات الحياة بعيدا عن عائلته، واضطر للإقامة في الجمعية الخيرية الإسلامية. لكنه، بعزيمته القوية، تجاوز المحن واستمر في مسيرته التعليمية حتى حصوله على شهادة الباكالوريا عام 1983 من ثانوية عبد الكريم الخطابي.

كان لهذه الفترة تأثير بالغ في تكوين شخصيته، إذ انخرط في العمل الجمعوي من خلال الشبيبة التقدمية وجمعية الانطلاقة الثقافية، حيث بدأ وعيه السياسي والثقافي بالتبلور، وتكوّنت لديه قناعاته التي سترافقه طيلة حياته.

لم تكن الموسيقى مجرد هواية في حياة مصطفى، بل كانت رسالة وإحساسا ينمو بداخله. بين عامي 1981 و1984، كان أحد مؤسسي فرقة “إيميران”، التي حملت صوت جيل طامح للتغيير، وأضاءت بفنها دروب النضال. جاء اسم الفرقة باقتراح من الفنان المبدع حسن أوريو##تيبرينت، ليعكس طموحات هؤلاء الشباب، الذين كانوا أكثر من مجرد أعضاء في فرقة موسيقية؛ كانوا عائلة متحدة بالمبادئ والرؤية.

ضمت الفرقة مصطفى، أحمذ، محمد الورتي، عبد المالك، وميمون (المعروف اليوم بـ “رفروع”). كانت التدريبات تُجرى في منزل مصطفى، حيث وفرت والدته فضاء دافئا لاحتضان شغفهم، وأحيانا كانوا يتدربون في خنادق تاريخية قرب مقابر “سيدي عري موسى”. قدمت “إيميران” عروضها في المهرجانات الوطنية والمناسبات الثقافية، وأصبحت رمزا للأغنية الأمازيغية الملتزمة، التي تنقل معاناة وآمال مجتمعها.

بعد حصوله على الإجازة في اللغة الإنجليزية من جامعة محمد الأول بوجدة عام 1987، بدأ مصطفى حياته المهنية كأستاذ بثانوية ابن الهيثم في العروي ضمن إطار الخدمة المدنية. لكن طموحه دفعه إلى فضاء أوسع، فانضم عام 1989 إلى الإذاعة والتلفزة المغربية بالقناة الإذاعية الأمازيغية، حيث وجد ضالته في الإعلام، مسخرا إبداعه لخدمة قضايا مجتمعه وثقافته.

لم يكن مصطفى مجرد رفيق دراسة وجارا قرب بوبلاو، بل كان شريكا في الذكريات، إنسانا متألقا بخلقه وإبداعه. حين ناداني في برنامجه بلقب “جمال بويموناس”، لم يكن ذلك مجرد مزحة، بل كان انعكاسا لعلاقة أخوية لم تهزها تقلبات الزمن.

أيها الصديق العزيز، أرفع لك الدعاء بالشفاء التام والعافية، وأسأل الله أن يطيل عمرك ليظل نورك مشعا في دروب الإبداع، الإعلام  والصداقة. شكرا لك على كل لحظة صادقة، وكل كلمة تركت أثرا، وكل لحن حمل رسالة.

“سلام عليك أينما كنت، ودمتَ نجمة تضيء سماء المحبة والإبداع.”

أضف تعليقك

‫‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.

‫تعليقات الزوار

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *