” ريف رس” 21 دجنبر 2024
بقلم: الاستاذ: مولاي الحسن بنسيدي علي
اهداء: إلى معالي البروفسور الدكتور عبد الكريم الوزان
وإلى معالي الدكتورة استاذتي سوسن العساف
وإلى كل الأحرار والحرائر بعراقنا الحبيب
العراق الذي في خاطري
العراق، أرض الأنبياء ومهد الحضارات، هو ذلك الوطن الذي انبثقت منه أولى الشرائع وارتفع فيه صوت الشعر منذ الأزل، ليخلد المجد والألم والجمال. من سومر وأكد وبابل، حيث كتبت البشرية أول سطورها، إلى حاضرٍ يئن تحت وطأة المحن، يبقى العراق صامدًا.
هنا كانت بغداد، عاصمة المجد والفكر، تُشع بنور العلم والمعرفة، وتزخر بالأسواق والمساجد والمدارس. بغداد التي تغنى بها الشعراء، وبكاها العاشقون، وظلت رمزًا لحضارة لن تموت مهما تكالبت عليها المحن.
العراق هو بلاد الجود والكرم، حيث النشامى والمخلصون الذين لم يخضعوا للطغيان. هو بلاد الجمال الذي يُرى في طبيعة كردستان الخلابة، وفي نخيل البصرة الذي يعانق السماء، وفي رائحة التراب المبتل بمياه دجلة والفرات.
لكن العراق الذي عرفناه لم يسلم من الطامعين، الذين عبثوا بأرضه ودمروا صوامعه واعتدوا على مقدساته. عشتار، رمز الحب والجمال، شهدت ظلمًا كبيرًا حينما هُتك عرضها أمام أعين العالم. ومع ذلك، فإن العراق ليس مكانًا للخنوع، فهذه الأرض التي قامت من تحت الرماد مرارًا لن تسقط أبدًا.
ليس العراق مجرد مكان، بل هو معنى يتجاوز الجغرافيا والزمن، هو موطن الشعراء الذين خلّدوا اسمه بأروع القصائد. المتنبي، الذي تحدّى الأقدار بقوله:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ
وأيضًا بدر شاكر السياب، الذي حمل أوجاع العراق في روحه فقال:
يا عراق، الحزنُ يغتالُ المآقي
وأغانيك عِذارى في شِباكِ
العراق الحبيبة بلاد الرافدين لم تكن يومًا خالية من الشعراء الذين حملوا همومها وأحلامها على أكتاف كلماتهم. هناك كان مظفر النواب، الذي سطّر أوجاع العراق السياسية بجرأة لا نظير لها، حين قال في قصيدته:
يا وطني علمني أن أُبكي من غير بكاء
علمني كيف يموت القلبُ وتتحولُ أشلائي أشجارًا
وهناك أحمد مطر، الشاعر الذي جعل من الغربة منفى لقصائده، والتي حملت نقدًا سياسيًا لاذعًا، بقوله:
رأيتُ العدلَ مدرجةً
بأقدامِ الذين أحبّهم… وسدُّوا في وجهي البابا.
أما نازك الملائكة، فهي رمز الريادة في الشعر العربي الحديث، حيث قادت ثورة التجديد الشعري، لتصبح العراق منارة الحداثة. قالت نازك في إحدى قصائدها:
ما زال صوتكِ في مسمعي
يعيد أحاديثَ عهدٍ مضى.
ولا ننسى الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين، الذين يحملون أوجاع العراق الراهنة وأحلامه المستقبلية، مثل سعدي يوسف، الذي وصف المنفى والاغتراب بروح مشبعة بالحنين
وقد احدث ثورة في الشعر الحديث بجمال بيانه وروعة اسلوبه
ونقتطف من قصائده رائعته
نهر التمرةِ و التكوين
أنتَ، و نهرُ التوت الأبيض و الأسودِ
نهرُ التينِ
و نهرُ الأنهار:
بويب ٍ
و العشارِ
و بابِ سليمانَ
و بابِ الدنيا…
يا صاحبي، ضاع مني البابُ و المفتاح
و الليلُ ما ينتهي، و المغتدَى ما لاح
الأرض ظلّت تريد الورد و التفّاح
لكنها أجفلت من غيبة الفلاّح.
وكاظم الحجاج الذي يحلم “بان يكون الشعر مشاعيا جماعيا ومملكة يلجها جميع الناس” ، الذي جعل من الكلمات وسيلة لالتقاط نبض البشر.
والذي رثى طفلا بدموع قلبه، داسته آلة الغدر ورصاص الجيش الأمريكي من يدعون الحرية،
ونقف معه نمسح عبراتنا
من مرثيته الحزينة التي يقول فيها:
ياحبيبي!
حين أرضعتكَ
أوصيتُ حليبي
أنْ يُنمّيكَ فتىً قبل الأوانْ
ويُربّيك شديداً كالزمانْ
وطويلاً..
مثلَ أشجار العراقْ-
ياحبيبي!
وتساءلتُ: لِمَنْ؟
فأتى صوتك:
“من أجل العراق”
ياحبيبي!
تذكر الأرضُ نداءَ الأنبياءْ
تذكر الأرض الدماءْ
ولهذا..
ياحبيبي _
تنحني الأرضُ
لِذكرِ الشهداءْ
يا حبيبي!
نَمْ..
كما كنتَ على صدري تنامْ
نمْ..
فإنّ الأنبياءْ
يحرسونَ الليلَ
حتى لا يفِزٍَّ الشهداءْ
ياحبيبي!
هذه الأرضُ التي مُتَّ لها
تبكي المسا..
هذه الأرض التي يُزرع فيها الشهداءْ
لاتُساقى
مثلما يُسقى النباتْ –
هذه الأرضٌ
المزارُ المفتدى
ويحنا..
ندفنكم فيها،
ولا نمشى حفاةْ!
العراق، هذا الوطن الذي يتنفس الشعر كما يتنفس الهواء، لم يكن يومًا بعيدًا عن الإبداع والجمال والفكر والفلسفة والقانون . بغداد، عاصمة المجد والشعر، احتضنت عمالقة الأدب، وها هي اليوم تحكي قصص الصمود من جديد.
بالرغم من الطامعين الذين عبثوا بأرضه وأوجعوه، سيعود العراق إلى مكانته بفضل أبنائه المخلصين. العراق ليس مجرد تاريخ، بل هو حاضر ومستقبل، هو وطن المجد الذي قال عنه الجواهري:
سلامٌ على هضباتِ العراق
وشطّيهِ والجُرفِ والمنحنى.
ومهما طال الألم، يبقى العراق رمزًا للكرامة والعزة، وموطنًا للأمل الذي لن يموت.
سيبقى العراق شامخًا، وطنًا يُصغي إلى صوت الشعر، ويحتضن حلم العودة إلى قوته وعزته.
رد واحد على “بريد القراء.. العراق: أرض الأنبياء ومهد الحضارات، رمز الصمود والإبداع”
سلم يراعك اخي وصديقي مولاي الحسن